النساء بين الميراث والحقوق المدنية.. خطبة دينية تشعل جدلاً في تركيا
النساء بين الميراث والحقوق المدنية.. خطبة دينية تشعل جدلاً في تركيا
أشعلت خطبة موحدة ألقتها رئاسة الشؤون الدينية التركية في أكثر من 90 ألف مسجد موجة واسعة من الجدل والاحتجاجات، ورغم أن الخطبة حملت عنوان "حقوق المرأة في الإسلام"، فإنها تضمنّت إشارات اعتبرتها منظمات مدنية انتهاكاً مباشراً لحقوق النساء في الميراث، ورسائل تقليدية ترسّخ أدواراً نمطية، ما يتعارض مع مبادئ الجمهورية العلمانية والحقوق المدنية المكفولة بالدستور.
وردّت منصة "المرأة من أجل المساواة" (EŞİK) على الخطبة بتقديم شكوى جنائية، ووصفتها بأنها محاولة لإضفاء شرعية دينية على التمييز ضد النساء، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.
واعتبر "مجلس العلمانية" أن ما جرى يمثّل تهديداً لمبدأ فصل الدين عن الدولة، في حين أطلقت حملة "لن نتنازل عن حقوقنا المدنية" دعوة جماعية للاحتجاج، مؤكدة أن الخطبة جزء من سياسة ممنهجة تستهدف تقويض مكتسبات النساء في تركيا.
أسلوب حياة مفروض
قالت المحامية سيلين نقيب أوغلو، الناشطة في منصة EŞİK، إن الخطب الدينية باتت أشبه بـ"بيانات رسمية" تحدد للنساء أسلوب حياتهن.
وأضافت: "الغريب أن هذه الخطب لا تتناول الفساد أو غياب العدالة أو الرشوة السياسية، لكنها ترفع صوتها فوراً عند ضحكة امرأة أو خصلة شعر أو عطلة قصيرة. نحن أمام مؤسسة رسمية للدولة تتدخل في تفاصيل حياتنا اليومية".
ورأت نقيب أوغلو أن هذه الممارسات تتجاهل حق النساء في المواطنة الكاملة، قائلةً: "رئاسة الشؤون الدينية تقول لنا بشكل مباشر (مكانكن ليس هنا)، وهذا إنكار صريح لحقنا بوصفنا مواطنات في النظام العلماني".
تهديد مباشر للمساواة
حذرت الناشطة من أن الخطبة الأخيرة قد تمهّد لتغييرات في قانون الميراث، معتبرة ذلك "اعتداءً واضحاً على حق النساء في الميراث المتساوي".
وأشارت إلى أن الخطبة وصلت إلى ملايين الناس عبر آلاف المساجد، ما يضاعف خطورتها "لأنها تنشر خطاباً إقصائياً بغطاء ديني يهدف لإعادة تشكيل المجتمع على أسس لا دستورية".
وذكّرت المحامية بأن رئاسة الشؤون الدينية سبق أن أثارت جدلاً بخطبة صدرت في الأول من أغسطس الماضي استهدفت لباس النساء، معتبرةً أن هذا النوع من الرسائل "يمنح إذناً ضمنياً بالاعتداء عليهن".
وأضافت: "المؤسسة ترتكب مخالفات قانونية واضحة، من التحريض على الجريمة إلى استغلال المنابر الدينية، لكن النيابة العامة لم تتخذ أي إجراء حتى الآن".
دعوات للتحقيق والمساءلة
أكدت منظمات حقوقية أن استمرار رئاسة الشؤون الدينية في بث خطب تقيّد حرية النساء يتطلب تحركاً قضائياً عاجلاً.
وشددت نقيب أوغلو على أن النيابة العامة يجب أن تعتبر هذه الخطب بلاغات جنائية بحد ذاتها، وتفتح تحقيقات دون انتظار شكوى رسمية.
واعتبرت ناشطات نسويات أن الخطبة الأخيرة لا يمكن فصلها عن سياسات رسمية أوسع تشمل برامج مشتركة بين رئاسة الشؤون الدينية ووزارتي التعليم والعدل، مثل مشروع "ÇEDES" المتعلق بالمناهج، وتعديلات "الوساطة" في قانون الأسرة.
وقالت نقيب أوغلو: "المؤسسة تجاوزت حدودها منذ زمن، واليوم تتدخل علناً في النظامين التعليمي والقانوني، وهو ما يشكل خطراً على جوهر الجمهورية العلمانية".
وشددت الناشطة على أن "العلمانية ليست مفهوماً قديماً أو منتهياً، بل هي اليوم قضية وجودية لحماية حقوق النساء"، مؤكدة أن المعركة الحقيقية تتمثل في الدفاع عن الدولة المدنية الحديثة أمام محاولات تسييس الدين وتقييد الحريات.